الرئيسية المد الاستعماري في المشرق العربي وشمال افريقيا – الجزء الاول

المد الاستعماري في المشرق العربي وشمال افريقيا – الجزء الاول


المد الاستعماري في المشرق العربي وشمال افريقيا – الجزء الاول
مقدمة:
استغلت الدول الاوربية ضعف الإمبراطورية العثمانية لتفرض ضغوطها الاقتصادية على المشرق العربي وشمال افريقيا طيلة الفترة الممتدة من القرن 16 الى القرن 18. وقد تطورت هذه الضغوط الى محاولات للسيطرة على المنطقة سياسيا خلال القرن 19، كانت أولها الحملة الفرنسية على مصر. وقد خلفت هذه الحملة مجموعة من النتائج.

سقط المشرق العربي في غمرة التنافس الفرنسي – الإنجليزي

1.1.خلفت الحملة الفرنسية على مصر تغيرات عميقة في المجتمع المصري.
أ.الحملة الفرنسية على مصر.
أسباب الحملة:
+  الصراع الفرنسي الإنجليزي حول مناطق النفوذ في العالم، حيث حاولت فرنسا تعويض خسارتها بمستعمراتها في كل من أمريكا الشمالية والهند لصالح إنجلترا من جهة، ومن جهة أخرى ضرب إنجلترا في مستعمرتها بالشرق الأقصى عبر المشرق العربي لتكسير تفوقها العسكري.
+ أهمية الموقع الاستراتجي لمنطقة المشرق العربي عامة ومصر خاصة (سوق لتصريف فائض الإنتاج و الفائض الماي وفائض اليد العاملة).
+ استطاع نابليون بعد انزال قواته بابي قير في فاتح يوليوز سنة 1790 السيطرة على الإسكندرية ثم القاهرة، بعد هزم المماليك في معركة الاهرام، ومن العوامل التي ساعدته على ذلك، ضعف النفوذ العثماني بالمنطقة حيث ان مصر كانت خاضعة لسيطرة المماليك المباشرة.
+ الصراع القائم بين المماليك حول السلطة. وفي هذا الاطار يدخل ادعاء نابليون في بلاغ رسمي انه اتى لإنقاذ السكان من ظلم المماليك فحاول بذلك التقرب من العلماء واثارة شعور السكان الوطني ضد المماليك وتركيز على احترام الدين الإسلامي.
+ امام الخطر الذي بدأ يشكله نابليون على إنجلترا، سارعت هذه الأخيرة الى تطويقه داخل مصر بالسيطرة على السواحل المتوسطة و الواجهة الجنوبية للخليج العربي. وقد ازدادت وضعية نابليون تأزما بعد اعلان ساليم الثالث الحرب عليه وانحياز الطبقة الوسطى المصرية الى جانب المعارضين. ورغم محاولة نابليون فك هذا الحصار بالسيطرة على سوريا وفلسطين، الا انه ارغم على التراجع نحو فرنسا سنة 1801 بعد تفشي مرض الطاعون في صفوف جيشه.
ب. نتائج الحملة:
+ لم يتطلع نابليون تحيق الأهداف التي توخها من حملته على مصر غير انها اثارة اهتمام الأوربيين نحو منطقة المشرق العربي لما تحمله من أهمية اقتصادية و جيواسترتجية.
+ اضعاف حكم المماليك بمصر بعد تقلد المصريين خلال فترة الاستعمار مجموعة من المناصب الإدارية.
+ نمو الشعور الوطني والقومي وتطور فكرة الاستقلال لذى المصريين عن المماليك وعن العثمانيين، وشعور المصريين بعظمة ماضيهم بفعل الأبحاث التي قام بها العلماء الذين رفقوا بابليون في حملته (147 عالم).
+ انفتاح مصر على الحضارة الغربية وذلك بفضل المعهد العلمي الذي أقامه نابليون علاوة على المدارس الحديثة.
1.2.اجهض التدخل الاستعماري المحاولة المصرية لإقامة دولة قوية ومستقلة.
أ. سياسة محمد على لبناء دولة قوية:
استغل محمد على مجموعة من الظروف ليكون على راس السلطة في مصر منها:
+ اضطراب الأوضاع السياسية نتيجة الصراعات القائمة بين المماليك و السلطة.
+ استياء الشعب المصري من السيطرة والاستغلال العثمانيين.
+ الخطر الإنجليزي المرابط بالسواحل المتوسطة.
وهكذا فقد اعلان محمد علي نفسه حاميا للمصريين، فعينه شيوخ الازهر واليا على مصر بعد الإطاحة بالباشا التركي خورشيد في ماي 1805. وامام التأبيد الشعبي للوالي الجديد، اضطر الباب العالي لتزكيته.
وقد قام محمدة علي إصلاحات همت مختلف الميادين:
-الإصلاحات العسكرية
والتي من خلالها استهدف تكوين جيش يضاهي جيوش الدول الكبرى، فقام ببناء  المدارس
العسكرية الحديثة وجلب المدرسيين الأوربيين اليها (فرنسا)، وتوفير احث الأسلحة عن طريق الاهتمام بالصناعة  الحربية.
-الإصلاحات السياسية
التي استهدف منها إعادة تنظيم الادارتين المركزية و الجهوية، وذلك بفتح المجال امام المصريين لتقليد المناصب الإدارية. كما قام بإلغاء القوانين المميزة للسكان وإقرار حرية ممارسة الشعائر المسيحية والسماح ببناء الكنائس.
-الإصلاحات الاقتصادية
التي استهدفت تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الفلاحية و المصنعة، بل و توجيه جزء الإنتاج نحو التصدير وذلك بالرفع من مردودية الإنتاج عن طريق ادخال احدث التقنيات.
استطاع محمد علي بفضل هذه الإصلاحات تقوية نفوذ مصر على المستوى الداخلي و الخارجي، غير ان ذلك كان على حساب الفئات الشعبية التي عانت الاستغلال و الاضطهاد معا.
ب.سياسة محمد علي التوسعية و رودود الفعل العثمانية و الاوربية:
تبلورت تدريجيا سياسة محمد علي الطموحة الى بناء دولة قوية على انقاض الإمبراطورية العثمانية المتداعية، واستغل تكليف الباب العالي له بمحاربة الوهابيين في شبه الجزيرة العربية سنة 1811، فوجه جيشا قويا تحت قيادة ابنه إبراهيم باشا، الذي سرعان ما قادته انتصاراته على الوهابيين و على الجيوش العثمانية، الى أبواب الاناضول، بعد ان اخضع كل المنطقة الممتدة من جنوب السودان و اليمن مرورا بالحجاز والشام الى حدود الاناضول.
ولم يحل بين حاكم مصر و الاستيلاء على القسطنطينية الا تهديد الاسطول الإنجليزي له وتدخل الدول الأوربية (بريطانيا و روسيا و بروسيا و النمسا) لصالح الباب العالي، فأرغمته على التراجع سنة 1839، ثم على سحب قواته من الحجاز في ابريل 1840. وقد مكنته المساندة الفرنسية من ضمان حكم وراثي لأسرته في مصر مقابل تخليه عن سوريا، وتخفيض جيوشه الى 18 الف جندي و القضاء على اسطوله البحري، والتخلي عن نهجه الاقتصادي.
كانت بريطانيا تعتبر محمد علي منفذا للسياسة الفرنسية في المشرق العربي، لذا كانت ترى في اضعافه افشالا للسياسة الفرنسية خاصة و ان فرنسا لم تكن مستعدة للذهاب في مساندتها لمحمد علي الى حد الدخول في مواجهة عسكرية مع بريطانيا.
وفي نهاية فترة حكم محمد علي، تم التخلي عن نظام احتكار الدولة وفتحت الأسواق المصرية في وجه السلع الأجنبية، اذ ان نظام الاحتكار هذا، حال دون نمو بورجوازية حضرية قادرة على مسايرة التقدم الصناعي في اوربا. فعلى العكس من اوربا، كان نظام الحكم في مصر نظاما فرديا شبيها بنظم العصور الوسطى، لكونه لم يجار تطور مصر الاقتصادي، ولم يساعد على خلق مؤسسات تمثيلية كفيلة بالدخول محل شخصية محمد علي الفاعلة، خاصة وان انجاز الاعمال التي بداها هذا الوالي تطلب الاعتماد على المساعدات الأجنبية مما مهد السبيل امام التوغل الاستعماري في البلاد بعد وفاته.

1.3. أدى التغلغل الامبريالي في مصر تمهيد الطريق نحو توسيع الهيمنة في المشرق العربي
أ. التغلغل الامبريالي في مصر:
استغلت فرنسا وانجلترا ضعف خلفاء محمد علي للحصول على مجموعة من الامتيازات منها:
+ امتياز مد خطوط السكك الحديدية (إنجلترا)
+ امتياز تنفيذ مشروع قناة السويس (فرنسا)
+ احتكار فرنسا 52 بالمائة من اسهم شركة قناة السويس (44 بالمائة احتكرتها مصر)
ساهمت هذه الامتيازات في تدفق رؤوس الأموال خاصة الفرنسية منها و الإنجليزية، والتي استثمرت في عدة مشاريع اقتصادية (الفلاحة و الصناعة الخفيفة و التجارة). تطلبت هذه المشاريع إقامة بنية تحتية كلفت الدولة رؤوس أموال ضخمة تطلب توفيرها الاقتراض من فرنسا و إنجلترا، مما أدى الى ارتفاع مديونية مصر بحوالي 94 مليون جنيه إسترليني سنة 1857.
وامام عجز مصر عن تأدية ديونها اضطرت الى:
+ رفع قيمة الضرائب المفروضة على السكان
+ بيع حصة مصر من اسهم شركة قناة السويس الى بريطانيا
+ قبول الخديوي بتشكيل لجنة لمراقبة مداخيل البلاد وتحويلها لتسديد الدين (لجنة صندوق الدين العمومي)
قبول مصر تعين مراقبين في الحكومة، الأول خاص بمراقبة مالية الدولة، والثاني كلف بمراقبة الاشغال العمومية.
وكنتيجة ظهرت عدة ثورات كثورة احمد عرابي التي استغلتها إنجلترا للتدخل عسكريا في مصر في 13 شتنبر 1882، وأصبحت مصر شبه مستعمرة انجليزية. كما استغلت إنجلترا اندلاع الحرب العالمية الأولى ووقوف الباب العالي الى جانب المانيا لتفرض حمايتها الرأسمالية في 18 دجنبر 1914.
وقد ساهمت الحماية في انفتاح مصر كليا على الحضارة الأوربية، وبالتالي حدوث انبعاث فكري تزعمه عدد المفكرين الذين تشبعوا بالأفكار الغربية كرافعة الطهطاوي، وجمال الدين الافغاني، وعبد الرحمان الكواكبي، ومصطفى كمال، ومحمد عبده....الخ (ظهور التيار العلماني). وقد نادى هؤلاء المفكرين الى جانب رواد التيار السلفي ورواد حركة النهضة بباقي اقطار الدول العربية الى اصلاح الأوضاع على أسس من الحرية و المساوات والدعوة الى توحيد الجهود العربية، والتخلص من عوائق التقدم و التحديث (القومية العربية).
 ب.التغلغل الامبريالي في المشرق العربي
تزايدت الضغوط الاستعمارية على منطقة المشرق العربي خلال القرن 19 حيث تسابقت الدول الاوربية و الولايات المتحدة الامريكية لفرض هيمنتها على المنطقة، وذلك من خلال الحصول على عدة امتيازات:
+ إنجلترا فرضت سيطرتها على السواحل الجنوبية و الشرقية للمنطقة (من عدن الى الكويت)
+ فرنسا واصلت ضغوطها على بلاد الشام.
+ المانيا حاولت تمتين علاقاتها مع العثمانيين بهدف الحصول على امتياز منح الأفضلية لشركة الخطوط الحديدية الاناضولية الألمانية (مد خط حديدي يربط بغداد و الحجاز بإسطنبول و برلين)
+ الولايات المتحدة الامريكية أسست الشركة الامريكية العثمانية لتنمية الصناعة، كما استعملت الارساليات وسيلة للتسرب داخل المنطقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الصفحات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.